top of page

مكننة الحرف.. سبيل استمرارها، أم قضاءٌ عليها؟

الدوحة -فريق أيادي قطر
25/11/2023

DSC03580.JPG

عندما يحاول العالم فهم ثقافة أي أمّة اليوم لا يجد وسيلة أفضل من دراسة فنونها وحرفها، إذ أن الأسلوب والطريقة اللذين يصنع بهما الناس ويصممون منتجاتهم يعكسان نظرتهم للأشياء، ويقال عنهم ما لا يمكن إخفاؤه. لكن ما مصير هذه الحرف في ظل ثورة المصانع والتكنولوجيا، هل علينا أن ندقّ ناقوس الإنذار بأن وتيرة الاعتماد المتزايدة على الماكينات قد تتسبب في اندثار الصناعات التقليدية المحلية، وبالتالي خسارة المجتمعات للكثير من ثقافتها.

لطالما كان للحرف اليدويّة دور رئيس في نشأة وتطور المجتمعات البشرية عبر التاريخ، حيث شكلت جزءًا لا يتجزأ من الحضارات، وساهمت بتلبية الاحتياجات الأساس في المراحل الأولى من تاريخ الإنسان، فقد كان الناس يستخدمون المهارات اليدويّة لإنتاج أدوات الصيد، والملابس، وأواني الطعام، وبالتالي كانت هذه الحرف تسهم في بقاء المجتمعات. حيث يعكس تاريخ الحرف اليدوية تطور المجتمعات البشرية ومساهمتها في بناء هويتها الفريدة. وذلك من خلال مجموعة من العوامل، فالحرف لعبت دورًا في تطوير الاقتصاد، ومع تقدم الحضارات، أصبحت الحرف اليدوية مصدر دخل، وبدأت المجتمعات في إنتاج السلع التجاريّة المميزة، وزادت الحركة التجارية وتبادل المنتجات بين الثقافات؛ مما ساهم في تطوير العلاقات الاقتصادية بين المجتمعات. بالإضافة لدورها في صون التراث والهوية، فهي تعكس تاريخ وهوية المجتمعات، ومن خلال الفنون والحرف التقليدية، يتم توثيق تراث المجتمع ونقله من جيل إلى جيل، مما يسهم في صون الهويّة الثقافيّة والتاريخيّة. بالإضافة لدور الحرف في تعزيز التفاعل الاجتماعيّ، فقد كانت ورش الحرف اليدوية تعزز التفاعل الاجتماعي والتعاون بين الأفراد في المجتمع. وكانت هذه الورش مكانًا لتبادل المهارات والأفكار، وأحيانًا تكون مناسبة للتجمّع وتعزيز روح المجتمع، كما أنّها تحفّز الإبداع فهي تشجع على التفرد، فكلّ حرفيّ يضيف لمسته الشخصيّة إلى منتجاته، مما يخلق تشكيلة متنوعة وفريدة من السلع، وهي كذلك تحفّز السياحة والتجارة، حيث يلتفت الكثيرون إلى الحرف اليدوية كمصدر للهدايا الفريدة والمنتجات المحليّة. يشجع ذلك على تطوير قطاع السياحة والتجارة المحلية، فكثيرًا ما يقوم السياح بشراء السلع التقليدية كذكرى لزيارتهم. 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كانت الصناعات التقليديّة على اختلافها وتنوعها تلبّي حاجة المجتمعات العربية في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بالإضافة إلى نشاط حركة التصدير عن طريق القوافل التجارية وغيرها للأسواق العربية والأجنبية. إلّا أنّ تطور تقنيات الحرف اليدوية من الأدوات اليدوية الأولى إلى استخدام الآلات والتقنيات المتقدمة، والانفتاح التكنولوجي الهائل والمتسارع أدّى إلى تنشيط حركة تصنيع المنتجات بالماكينات التي حلت محل الصناعات اليدوية إلى حد كبير، الأمر الذي جعل المهن التراثية والصناعات والحرف اليدوية تعاني من خطر الاندثار بسبب عزوف الناس عنها. حيث يعاني قطاع الصناعات التقليدية إشكاليات متعددة وكثيرة على غرار نقص اليد العاملة وعزوف الشباب عن العمل في هذه المهن، فضلًا عن تقدم التكنولوجيا، مما جعل هذه الحرف تخوض تحديات كبيرة في مجال التحديث والتطوير. في حين يرى الكثير من الحرفيين أنّ مكننة الحرف هي السبيل الوحيد لاستمرارها وإلّا فمصيرها الاندثار لا محالة، وهنا كان لا بدّ من الوقوف على إيجابيات وسلبيات مكننة الحرف وتحديثها، ولأنّ أهل مكة أدرى بشعابها التقى فريق أيادي قطر مجموعة من أرباب العمل في مركز الحرفيين بسوق واقف، وكذلك عددًا من زوّار السوق، لرصد الإيجابيات السلبيات حسب الحرفيين وجمهور الحرف ويمكن تلخيص النتائج بالنقاط التالية:

- تعزيز الإبداع والتصميم: يساهم التحديث في إضافة طابع حديث وابتكاري إلى الحرف اليدوية، مما يفتح أفقًا للفنانين والحرفيين لتطوير تصاميم جديدة وجذابة.

- تحسين الكفاءة: يمكن للتكنولوجيا تحسين كفاءة الإنتاج وجودة المنتجات اليدوية، حيث يمكن استخدام الآلات الحديثة لتسريع عمليات الصنع دون التأثير على الجودة.

- وصول أوسع للسوق: يتيح التحديث فرصة للحرفيين للوصول إلى جمهور أوسع من خلال التسويق عبر الإنترنت، مما يعزز مبيعاتهم ويعرض أعمالهم للعالم.

- توظيف التقنيات الحديثة: يمكن استخدام التقنيات المتطورة في تحليل اتجاهات السوق وتحديد احتياجات العملاء، مما يساعد في تحسين استراتيجيات التسويق والتصنيع.

- الحفاظ على التراث الثقافي: يمكن للتحديث أن يساعد في الحفاظ على التراث الثقافي من خلال توثيق الفنون اليدوية التقليدية وتكاملها في عصرنا الحديث.

وهذه العوامل تؤثّر في زيادة الإنتاجيّة، حيث تُمكّن مكننة الحرف من إنتاج كميات أكبر من المنتجات بشكل أسرع من الإنتاج اليدوي، مما يساهم في زيادة الإنتاجية وتلبية احتياجات السوق. إضافة لدورها في تحسين الجودة. فيمكن للآلات الحديثة تحسين دقة وجودة المنتجات، حيث تتيح التحكم الدقيق والتقنيات المتقدمة الحصول على نتائج أكثر دقة، كما أنّها تضمن توفير الوقت والجهد فبفضل الآلات، يتم تقليل الوقت والجهد الذي يستغرقه الإنتاج اليدوي، مما يتيح للحرفيين تركيز جهودهم على جوانب الإبداع والتصميم. وفيما يخصّ تكلفة الإنتاج المنخفضة، فيمكن أن تؤدي مكننة الحرف إلى تقليل تكلفة الإنتاج نتيجة للزيادة في الكفاءة وتقليل العمالة. فضلًا عن تحسين ظروف العمل، فاستخدام الآلات يقّلل الحاجة إلى العمل اليدوي الشاق، مما يحسن ظروف العمل للعمال ويقلل من التعب والمخاطر.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وأمّا عن سلبيات هذه المكننة فيرى الحرفيون ومستهلكو منتجاتهم أنّ أبرزها:

- فقدان الطابع الفريد: حيث يمكن أن يؤدي التحديث إلى فقدان الطابع الفريد للحرف اليدوية، حيث يمكن أن تصبح المنتجات ميكانيكية وخالية من الروح الفنية.

- تهديد الوظائف التقليدية: فقد يتسبب التحديث في تهديد وجود الحرفيين التقليديين، حيث يمكن أن تحل الآلات والتكنولوجيا محل اليد البشرية في بعض الحالات.

- زيادة تبعيّة التكنولوجيا: حيث يمكن أن يؤدي التحديث إلى تزايد التبعية على التكنولوجيا، مما يجعل الحرفيين غير قادرين على الاعتماد على مهاراتهم اليدوية التقليدية.
- التأثير البيئيّ: يمكن أن يكون للتحديث تأثير بيئي سلبي، خاصة إذا كان يستخدم موارد كبيرة أو يؤدي إلى إنتاج نفايات بيئية.

- صعوبة التكيّف مع التغيير: قد يجد الحرفيون صعوبة في التكيف مع التغييرات التكنولوجية، مما يؤثر على مستوى راحتهم وفعاليتهم في العمل.
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وهذه العوامل تؤدي إلى مجموعة من المخاطر أبرزها فقدان الفنية والطابع الشخصيّ، حيث يؤدي استخدام مكننة الحرف إلى فقدان بعض الفنية والطابع الشخصي الذي يأتي مع الإنتاج اليدوي. فضلًا عن تأثير ها السلبي على الوظائف اليدوية التقليديّة، فهي تؤدي إلى تقليل الحاجة إلى الحرفيين التقليديين، مما يؤدي إلى فقدان الكثير الوظائف التقليدية. كما أنّ المكننة تعزّز التبعيّة التكنولوجيّة، فقد يكون هناك تبعية كبيرة على التكنولوجيا مع استخدام الآلات، مما يعرض الإنتاج لمخاطر توقف في حالة حدوث أعطال تقنية. ناهيك عن التأثير البيئيّ، ففي كثير من الحالات، تكون عمليات التصنيع الميكانيكية ذات تأثير بيئي سلبي نتيجة لاستهلاك كميات كبيرة من الطاقة وإنتاج نفايات.ولا ننسى تقليل التفرد والتنوّع، حيث تؤدي مكننة الحرف إلى تقليل التفرد في المنتجات، وغالبًا ما تكون الآلات قائمة على إنتاج نماذج محددة بشكل أكبر بدلاً من التفرد في التصميم. أمّا تكلفة الاستثمار العالية، فهي نقطة لا يمكن إهمالها حيث أن تكلفة شراء وصيانة الآلات المرتفعة تشكّل عائقًا للحرفيين الصغار والأفراد الذين يعملون بشكل فردي.

 

ختامًا، اتفق العدد الأكبر من المهتمين بالحرف صنّاعًا وجمهورًا مستهلكًا أنّه يجب مراعاة توازن بين استخدام التكنولوجيا والحفاظ على الفنون والثقافة اليدوية، وضمان أن التحديث يحقق فوائد اقتصادية دون التأثير السلبي على البيئة والثقافة. باختصار، يجب الحرص على أن تتم عملية التحديث و التطوير في مجال الحرف اليدوية بوتيرة تضمن الموازنة بين الحفاظ على التراث الثقافي و تلبية احتياجات و تطلعات المستهلكين و السوق الحديثة.

Blue Modern Line Chart Graph.png
bottom of page